responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 48
[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 36]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (36)
عَطْفُ تَشْرِيعٍ يَخْتَصُّ بِالْمُعَامَلَةِ مَعَ ذَوِي الْقُرْبَى وَالضُّعَفَاءِ، وَقَدَّمَ لَهُ الْأَمْرَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمِ الْإِشْرَاكِ عَلَى وَجْهِ الْإِدْمَاجِ، لِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْأَمْرِ وَأَنَّهُ أَحَقُّ مَا يَتَوَخَّاهُ الْمُسْلِمُ، تَجْدِيدًا لِمَعْنَى التَّوْحِيدِ فِي نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَدَّمَ لِذَلِكَ فِي طَالِعِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ: اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ [النِّسَاء: 1] . وَالْمُنَاسَبَةُ هِيَ مَا أُرِيدَ جَمْعُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ أَحْكَامِ أَوَاصِرِ الْقَرَابَةِ فِي النَّسَبِ وَالدِّينِ وَالْمُخَالَطَةِ.
وَالْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ، قَدَّمَ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْإِشْرَاكِ، لِأَنَّهُمْ قَدْ تَقَرَّرَ نَفْيُ الشِّرْكِ بَيْنَهُمْ وَأُرِيدَ مِنْهُمْ دَوَامُ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ، وَالِاسْتِزَادَةُ مِنْهَا، وَنُهُوا عَنِ الشِّرْكِ تَحْذِيرًا مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَمَجْمُوعُ الْجُمْلَتَيْنِ فِي قُوَّةِ صِيغَةِ حَصْرٍ إِذْ مُفَادُهُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تَعْبُدُوا غَيْرَهُ فَاشْتَمَلَ عَلَى مَعْنَى إِثْبَاتٍ وَنَفْيٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ. وَالْعُدُولُ عَنْ طَرِيقِ الْقَصْرِ فِي مِثْلِ هَذَا طَرِيقَةٌ عَرَبِيَّةٌ جَاءَ عَلَيْهَا قَوْلُ السَّمَوْأَلِ، أَوْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْحَارِثِيِّ:
تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاتِ نُفُوسُنَا ... وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ
وَإِنَّمَا يُصَار إِلَيْهَا عِنْد مَا يَكُونُ الْغَرَضُ الْأَوَّلُ هُوَ طَرَفَ الْإِثْبَاتِ، ثُمَّ يَقْصِدُ بَعْدَ ذَلِكَ نَفِيَ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَا الْمُثْبَتِ لَهُ، لِأَنَّهُ إِذَا جِيءَ بِالْقَصْرِ كَانَ الْمَقْصِدُ الْأَوَّلُ هُوَ نَفْيَ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَا الْمَذْكُورِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُقْتَضَى الْمَقَامِ هُنَا، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمَّا خُوطِبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِنَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ خُوطِبُوا بِطَرِيقَةِ الْقَصْرِ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [الْبَقَرَة: 83] الْآيَةَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَوَّلَ إِيقَاظُهُمْ إِلَى إِبْطَالِ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى: «اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ» وَلِأَنَّهُمْ عَبَدُوا الْعِجْلَ فِي مُدَّةِ مُنَاجَاةِ مُوسَى رَبَّهُ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ بِالنَّهْيِ عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 48
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست